ب – الفلسفة التجريبية (دافيد هيوم – جون لوك نموذجا)
النص
” عندما أغوص في أعماق ذاتي أو ما أسميه الأنا،
أجدني في مواجهة إحساس يرتبط بالحرارة أو البرودة، بالضوء أو الظل، بالحب أو
الكراهية، بالألم أو اللذة، إذ لا يمكنني أبدا أن أتعرف ذاتي في أي لحظة بدون
إحساس محدد، و لا يمكنني أبدا أن ألاحظ أي شيء غير ذلك الإحساس، فعندما تتعطل
إحساساتي لفترة معينة – كما يحدث أثناء نوم هادئ- لن يكون لي حينئذ أي شعور
بالأنا. و يمكن القول حقا إنه لا وجود لي، فلو تم تعطيل جميع إحساساتي، بواسطة
الموت، بحيث لا يمكنني أن أفكر و أحس، و أبصر و أحب، و أكره- بعد تحلل جسدي-
فسأكون عندئذ عبارة عن لا شيء، و لا أتصور ما ينبغي إضافته ليجعل مني مجرد عدم. و
إذا وُجد شخص يعتقد- بعد تفكير واضح و محايد- أنه يمتلك معرفة مغايرة بذاته، عكس
ما قلت به، فسأكون غير مستعد لمسايرته في طريقة تفكيره.
”
Hume.traite de la nature
humaine.traduction ;A.leroy.Ed :Aubier.1968. p. 342-344
اشكال النص : ما مصدر المعرفة عند دافيد هيوم؟ وما موقفه من العقل ؟
أطروحة النص : تؤكد المدرسة التجريبية على أهمية الحواس ودورها في
بناء المعارف
التحليل لقد كان لإيمان ديكارت بالعقل وتبخيسه دور الحواس أثر في تطور
الفلسفة الحديثة عبر ظهور اتجاه فلسفي مغاير لما ذهب إليه ديكارت.
فالمدرسة التجريبية وعلى خلاف ما ذهب إليه ديكارت أكدت على دور
الحواس واهميتها الكبرى في تشكل المعرفة عبر الاحتكاك بالعالم الخارجي، وما يؤكد
على هذه الفكرة حسب هيوم هو المثال الذي قدمه عند تعطل الإحساسات إما بشكل مؤقت
كما يحدث أثناء النوم أو بشكل دائم كما هو حال الموت، فإن نتيجة هذا
التعطل غياب أي شكل من أشكال الإحساس ويصبح الإنسان وكأنه غير موجود بشكل كلي (
مجرد عدم).
أما موقفها من العقل فهو بمثابة صفحة بيضاء فارغة من أي معطيات أو
أفكار قبلية ( أي قبل التجربة) وهو ما يعني ان المعارف والأفكار والمعطيات التي
يمتلكها الإنسان تأتي بشكل بعدي ( أي بعد التجربة). فالطفل الصغير لن يدرك للوهلة
الأولى واعتمادا على عقله أن النار تحرق ما لم يقم بالتجربة ويلمسها. فالحواس تشكل
مصدرا موثوقا لبناء المعارف والوصول إلى الحقائق.
ج – المدرسة النقدية (إمانويل كانط نموذج)
لقد أثر النقاش الفلسفي الذي دار بين المدرسة العقلانية والمدرسة
التجريبية في ظهور توجه فلسفي جديد عرف بالمدرسة النقدية مع الفيلسوف الألماني
إمانويل كانط.
فمحاولة كل من العقلانيين والتجريبيين في بناء المعرفة على أساس
واحد سواء كان العقل او الحواس / التجربة هو ما سيدفع بكانط للتأكيد على التكامل
والتداخل الضروري بينهما معا، فالحدوس الحسية (الحواس) بدون مفاهيم (العقل) تظل
عمياء، والمفاهيم بدون حدوس حسية تبقى جوفاء (فارغة). إذن فالمعرفة هي التي تبنى
انطلاقا من التكامل بين المفاهيم القبلية والمعطيات البعدية، وهو ما عبر عنه كانط
في قوله : ينبغي لعقلنا أن يتقدم نحو الطبيعة ماسكا بإحدى يديه مبادئه
وباليد الأخرى التجربة .