يسعد مدونة بيت الحكمة أن تقدم لتلامذتنا الأعزاء دروس مادة الفلسفة
لكل الشعب والمسالك
لقد عرفت العلوم الطبيعية قفزة علمية متسارعة على امتداد القرنين 17و18 مكنت الإنسان من السيادة والسيطرة على الطبيعة وامتلاك زمامها وفاعلا حقيقيا فيها،بعدما كان مجرد منفعل معها عاجز أمامها ...هذا التقدم الذي حققته العلوم الطبيعية بفضل المناهج العلمية التي اعتمد عليها العلماء،كان دافعا ومحفزا لعدد غير قليل من المفكرين والفلاسفة في استلهام نموذج هته العلوم وتطبيقه على الإنسان بغية فهم أكثر للظاهرة الإنسانية والوصول إلى مختلف القوانين التي تحكم الفعل الإنساني كما هو حال قوانين الطبيعة...فكان المبتغى هو جعل الإنسان موضوع جملة من العلوم يتناول كل منها جانبا من جوانبه الخاصة بالدراسة والتحليل العلميين بعيدا عن أي تفسر ذاتي تغلب عليه العاطفة ...من أجل الوصول إلى القوى الفاعلة التي تضبط ظواهره والقوانين التي تحكم فعله الخاص ومن ثمة التنبؤ بمصره.
إلا أن محاولة استلهام النموذج الطبيعي وتطبيقه على الظاهرة الإنسانية لم يخل من صعوبات ومعيقات تحول دون تحقيق شرط الموضوعية عند محاولة دراسة الإنسان بسبب التداخل الكبير بين الذات العارفة وموضوع معرفتها،بين الذات والموضوع،بن الملاحظ والملاحظ.هذا الشرط الذي تمكنت علوم الطبيعة من الوصول إليه وتحقيقه لم تتمكن علوم الإنسان من الفصل التام فيه وبالتالي تنتفي صفة الموضوعية والعلمية عن أي دراسة للظاهرة الإنسانية.فالإنسان هو نفسه ذاتا دارسة وموضوعا للدراسة،إنه الملاحظ والملاحظ.مما يفتح المجال لتسرب الذاتية والبعد عن الموضوعية بحكم انتفاء المسافة بين الذات والموضوع.فهل تمكنت العلوم الإنسانية من الفصل التام بين الذات والموضوع كما هو حال العلوم الطبيعية ؟هل تمكنت العلوم الإنسانية من تحقيق شرط العلمية والموضوعية في دراستها للظاهرة الإنسانية ؟من أين تستمد العلوم الإنسانية علميتها : هل من قدرتها على تطبيق مناهج العلوم الطبيعية القائمة على التفسير والتنبؤ على الظواهر الإنسانية ؟أم أن العلوم الإنسانية سعت إلى العلمية من خلال الاعتماد على مناهج آخرى تراعي خصوصية الظاهرة الإنسانية ؟كيف ننظر إلى علم الاجتماع كعلم يسعى لدراسة الظاهرة الإنسانية؟ ما هو موضوعه ؟ومنهجه ؟ونظرياته ؟
المحور الأول : موضعة الظاهرة الإنسانية
لقد حاولت العلوم الإنسانية التخلص من الأنساق الفلسفة التأملية والعمل على تجريد الباحث من أي تدخل للذات في الموضوع من خلال استبعاد الأحكام القيمية الجاهزة والمواقف القبلية واستبعاد الآراء والمعتقدات والايديولوجيا... ومحاولة دراسة الظواهر الإنسانية كأشياء وكأنساق تقع خارج الذات وهذا ما نجحت فيه العلوم الطبيعية بالحكم المسافة التي تقيمها بين ذات العالم وموضوع معرفته،هذا الفصل يصبح معقدا ومستعصيا حينما يتعلق الأمر بالإنسان كموضوع للدراسة بحكم انتفاء المسافة والتداخل التام بين الذات العارفة وموضوع المعرفة،فكف يمكن للذات أن تحكم على نفسها وعلى الآخرين دون أن يتأثر حكمها بتجاربها الخاصة ومواقفها وهويتها وانتمائها السوسوثقافي...فهل يمكن الحديث عن الموضوعية والعلمية في العلوم الإنسانة كما هو حاصل في علوم الطبيعة ؟
لتحميل الدرس بصيغة pdf
مسألة العلمية في العلوم الإنسانية
***********************
***********************