Type Here to Get Search Results !

دروس مادة الفلسفة PDF الغير

 

يسعد مدونة بيت الحكمة أن تقدم لتلامذتنا الأعزاء دروس مادة الفلسفة

 لكل الشعب والمسالك

مجزوءة الوضع البشري

يتأطر مفهوم الغير ضمن مجال الوضع البشري و العلاقات البشرية بمختلف أبعادها الأنطولوجية ) الوجودية ) و الإبستيمية ( المعرفية ) والفكرية و الوجدانية مما يبرز طبيعته الإشكالية. حيث تنشأ هاته الإشكالية انطلاقا من كون الغير ذاتا تشبهني و تختلف عني، تشبهني في بنيتي وامتلاكها ما أملكه من ملكة الفهم، ويختلف عني في الفكر والوجدان والمشاعر... ومن كونه كذلك ضروري لوجودي بصفته وعيا يختلف عني و لكنه يلتقى معي في هذا الاختلاف بالذات ما دمت أنا بدوري أختلف عنه فأنا أشبهه في اختلافي .

عندما نتأمل وضعنا كذوات، ندرك بشكل مباشر أو غير مباشر، أننا نتقمص صفتين : فكل واحد منا يشكل "الشخص" و"الغير" في الوقت نفسه. يظهر الوصف الأول عندما أتلفظ بـ"أنا"، أما الوصف الثاني، فيبدو جليا عندما يشير إليك الآخر بضمير"أنت". يكشف هذا التداخل عن فكرة أساسية، وهي أن الشخص والغير، غير مستقلين عن بعضهما البعض. على هذا النحو يتأكد أن ما يحدد الشخص كذات عاقلة مفكرة ومبدعة و مسؤولة، يحدد الغير كذلك، ما دام أن الاختلاف الوحيد القائم بينهما لا يعدو أن يكون اختلافا لغويا، لكن إدراك الذات لذاتها، لا يعني أنها تعرف الآخر بمثل معرفتها لذاتها، فكل المحاولات التي يقوم بـها لأجل تحقيق ذلك، تواجه بصد منيع من طرف الآخر، الذي لا يكشف عن ما يميزه، ويمكن تلمس ذلك من خلال السلوكات التي يبديها كلما أحس أن حدوده وعالمه سيخترق من لدن الغير مثل : الإخفاء والحيلة والقناع...

يظهر إذن، أن الغير يتواجد إلى جانب الذات كأنا عاقلة ومفكرة، إذ لا بد من وجوده لمعرفة حقيقة الذات، وكأنه مرآة للأنا، لكنه قد يتحول إلى عنصر يعيق تحقيق هذا الطموح، لهذا السبب يلزم الذات أن تخوض معرفة إثبات نفسها بنفسها بغض النظر عن الغير، وإلى جانب ذلك، يمكن القول بأن تواجد الذات والآخر جنبا إلى جنب يطرح مسألة العلاقة والتواصل بينهما، فبحكم طبيعتهما يمكن أن نقول بأن لا أحد يكفي ذاته بذاته، فلا بد من ضرورة الانفتاح على بعضهما البعض، بيد أن اشتراكهما في هذا الشعور لا يعني أن كل واحد منهما يستطيع أن يؤلف فكرة كاملة وسليمة عن الآخر، حيث إن كل ما يستطيع أن يقدمه الواحد للآخر لا يعدوا أن يكون سوى شيء سطحي، علاوة على ما تقدم، يمكن القول بأنه إذا كانت أحد حتميات الوجود الإنساني هي الصراع، فإن الإنسانية باتت اليوم في حاجة إلى تبديد خلافات البشر وتقليصها من أجل تحقيق مجتمع مبني على التسامح والحوار واللاعنف .من خلال هذه المفارقات تتحدد الإشكالات الفلسفية لمفهوم الغير، والتي يمكن صياغتها في التساؤلات التالية :

كيف تدرك الذات الغير؟ وهل هي  في حاجة ماسة إليه لإثبات وجودها، أم أنها في غنى عنه؟ وما طبيعة الاعتراف القائم بين الذات والآخر، هل هو اعتراف متبادل أم أحادي ؟

هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ وما هي قيمة وحدود المعرفة المكونة عن الغير، هل هي معرفة حقيقية أم أنها مجرد افتراضات وتخمينات؟ وكيف تتمثل الذات الغير، هل كعقل وروح وجوهر، أم كشيء وموضوع ؟

على أي أساس ينبغي أن تقوم العلاقة بين الأنا والآخر، هل على أساس المحبة والتواصل، أم على أساس الإقصاء والتهميش؟

المـحور الأول : وجــود الغـيـر

منذ انبثاق الوعي واكتمال نضجه، يتشكل لدى الذات وعي آخر غير ذلك الذي تملكه عن نفسها وهو "وعي بالآخر"، إذ تدرك أن العالم ليس مسرحا لها وحدها، وإنما هو سياق تتواجد فيه ذوات غيرها، تحمل ربما نفس همومها واهتماماتها، لكن هذا التواجد المشترك يخفي في عمقه ألغازا عديدة تجعل كليهما يحتاط في الانفتاح على الآخر، فكيف تدرك الذات الغير؟ وهل هي في حاجة ماسة إليه من أجل إثبات وجودها؟ وما طبيعة الاعتراف القائم بين الذات والغير، هل هو اعتراف متبادل أم أحادي ؟ وأخيرا هل الغير يشكل تهديدا للأنا أم أنه مكمل لها؟

موقف ديكارت ينتقد ديكارت كل الآراء التي ترى أن الذات في حاجة ماسة إلى الغير من أجل إدراك وفهم وجودها، فهي بالنسبة له قادرة على تحقيق ذلك بمعزل عن أية وسيلة خارجية، سواء كانت عاقلة أو مادية، ويرجع ذلك إلى أنها تملك ما يكفيها لذلك، وهو التفكير، فما دام أن الذات تفكر، فهذا دليل على أن وجودها أمر يقيني ولا يشوبه أدنى شك، ولعل ذلك ما تصرح به قولة ديكارت الشهيرة " أنا أفكر، إذن أنا موجود" ومعلوم أن التفكير صفة من صفات النفس، تولد معها وتبق لصيقة بها إلى أن تفنى، على هذا الأساس، يتأكد أن الذات في غنى كامل عن الغير، لأن وضوح وجودها ويقينه قد تحقق بفضل مقوم ذاتي وليس خارجي .ليس هناك حسب ديكارت أي دليل يقيني يثبت أن الغير موجود، لأن انتماء الغير إلى موجودات العالم الخارجي ( أي الوجود الخارجي عن الذات ) يجعل الحواس هي الوسيلة الوحيدة التي تخبرني أنه موجود ولما كانت هذه الأخيرة " خداعة أحيانا...فمن الحكمة أن لا نطمئن كل الاطمئنان إلى من يخدعنا ولو مرة واحدة " . فالنتيجة هي أن وجود الغير أمر قابل للشك، وتبعا لذلك فهو غير يقيني وغير مؤكد ، والشيء الوحيد الذي يستطيع الأنا التيقن من وجوده، في رأي ديكارت، هو وجوده هو، على اعتبار أن ما يخبره بذلك ليس هو حواسه المشكوك في شهادتها، وإنما هو فكره نفسه، فقدرة الأنا على الشك في مختلف المعارف التي تمده بها حواسه الخارجية يجعله على يقين تام من أنه كائن يشك، وتبعا لذلك أنه "كائن يفكر" لأن الشك ما هو إلا ضرب من ضروب التفكير، وما دام هو كائن مفكر فهو بالضرورة موجود، لأنه من المتناقض أن يكون كائن يفكر وهو غير موجود أصلا، وبذلك فقضية "أنا موجود"هي قضية ثابتة قطعا ويقينية، أما قضية "الغير موجود" فهي ليست كذلك، لأنه لا سبيل للأنا كي يستدل عليه عقليا انطلاقا من مقدمات عقلية، وكل ما يمتلكه بصددها هو شهادة الحواس المشكوك في أمرها.
هكذا سينتهي ديكارت في إطار العزلة الأنطولوجية إلى ما سيعرف ب "الأنا وحدية أو وحدانية الأنا :SOLIPSISME ." أي إلى القول بأن كل ما يستطيع الأنا إثبات وجوده بشكل قطعي ويقيني وبشكل مستقل عن أي وجود آخر هو وجوده هو، أما باقي موجودات العالم، بما فيها الغير، فهو جائز ومحتمل فقط أو على الأٌقل يتوقف على استدلالات الأنا نفسه .

موقف هيجل : على خلاف فلسفة الذات الديكارتية التي قامت على فكرة "الأنا موجود" دون أن تقيم وزنا لوجود الغير سيؤسس هيجل فلسفة جدلية يمثل الغير فيها نقطة الارتكاز تلك. فالأنا في رأي هيجل لا يملك بصدد ذاته وعيا حقيقيا، أي وعيا بكونه أنا وذات، إلا بحضور الغير وباعترافه للأنا بذلك. فمهما وصلت درجة يقين الأنا بذاته، فإن ذلك اليقين لا يكتسي طابع الحقيقة إلا إذا تم الاعتراف به من طرف الغير بكونه كذلك أي بكونه وعيا بذاته. وهذه العملية متبادلة، لأن الغير هو أيضا أنا، ومتيقن من نفسه أنه كذلك، غير أن يقينه ذاك يحتاج إلى اعتراف الأنا لكي يرقى إلى مستوى الحقيقة، وهو ما يفرض عليهما بالضرورة الدخول في معركة الصراع من أجل الحياة والموت، معركة يستطيع بمقتضاه أحدهما نزع اعتراف الآخر، فيرقى بيقينه، تبعا لذلك، إلى مستوى الحقيقة، يقول هيجل : " إنهما مجبران بالضرورة على الانخراط في هذا الصراع، لأن على كل منهما أن يسموا بيقين وجوده إلى مستوى الحقيقة بالنسبة لذاته وبالنسبة إلى الآخر. فالمخاطرة بالحياة هي وحدها التي يتم بواسطتها الحفاظ على الحرية، و بها وحدها يقدم الدليل على أن وعي الذات ليس مجرد وجود، وليس وجودا على نمط مباشر ( مثل نمط وجود الأشياء ) ولا انغماسا وتشبتا بالحياة "
فهذا الصراع في رأي هيجل لا يجب أن ينتهي بموت أحد الطرفين، لأن الموت لا يحقق الهدف الذي من أجله دخلا في الصراع، والذي هو نزع الاعتراف، وإنما يجب أن ينتهي باستسلام أحد الطرفين، أي بتنازله عن رغبته في أن يعترف به، فيعترف هو بالآخر دون أن يعترف الآخر به. وهذا الأمر هو ما أفضى في رأيه إلى ظهور أول ثنائية في مجال العلاقات البشرية، وهي ثنائية العبد والسيد : فالسيد هو الذي رفض الاستسلام وفضل الموت على الحياة، بينما العبد هو الذي قبل بذلك، وفضل المغامرة بحياته من أجل إرضاء رغبته في أن يعترف به .

والخلاصة هي أن السيد لا يعي أنه كذلك ما لم يوجد العبد الذي يعترف له بالسيادة، وبالمقابل فالعبد لا يدرك أنه عبد إلا بوجود السيد الآمر والناهي له. فالغير ضروري ومؤكد لحصول وعي الذات بذاتها .

لتنزيل الملخص كاملا بصيغة PDF أنقر أسفله

المفهوم الثاني : الغير



***********************


***********************

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

Top Post Ad

Below Post Ad