يتأطر مفهوم الغير ضمن مجال الوضع البشري و العلاقات البشرية بمختلف أبعادها الأنطولوجية ( الوجودية ) و الإبستيمية ( المعرفية ) والفكرية و الوجدانية مما يبرز طبيعته الإشكالية. حيث تنشأ هاته الإشكالية انطلاقا من كون الغير ذاتا تشبهني و تختلف عني، تشبهني في بنيتي وامتلاكها ما أملكه من ملكة الفهم، ويختلف عني في الفكر والوجدان والمشاعر... ومن كونه كذلك ضروري لوجودي بصفته وعيا يختلف عني و لكنه يلتقى معي في هذا الاختلاف بالذات ما دمت أنا بدوري أختلف عنه فأنا أشبهه في اختلافي .
عندما نتأمل وضعنا كذوات،
ندرك بشكل مباشر أو غير مباشر، أننا نتقمص صفتين : فكل واحد منا يشكل
"الشخص" و"الغير" في الوقت نفسه. يظهر الوصف الأول عندما
أتلفظ بـ"أنا"، أما الوصف الثاني، فيبدو جليا عندما يشير إليك الآخر
بضمير"أنت". يكشف هذا التداخل عن فكرة أساسية، وهي أن الشخص والغير، غير
مستقلين عن بعضهما البعض. على هذا النحو يتأكد أن ما يحدد الشخص كذات عاقلة مفكرة
ومبدعة و مسؤولة، يحدد الغير كذلك، ما دام أن الاختلاف الوحيد القائم بينهما لا
يعدو أن يكون اختلافا لغويا، لكن إدراك الذات لذاتها، لا يعني أنها تعرف الآخر
بمثل معرفتها لذاتها، فكل المحاولات التي يقوم بـها لأجل تحقيق ذلك، تواجه بصد
منيع من طرف الآخر، الذي لا يكشف عن ما يميزه، ويمكن تلمس ذلك من خلال السلوكات
التي يبديها كلما أحس أن حدوده وعالمه سيخترق من لدن الغير مثل : الإخفاء والحيلة والقناع...يظهر إذن، أن الغير
يتواجد إلى جانب الذات كأنا عاقلة ومفكرة، إذ لا بد من وجوده لمعرفة حقيقة الذات،
وكأنه مرآة للأنا، لكنه قد يتحول إلى عنصر يعيق تحقيق هذا الطموح، لهذا السبب يلزم
الذات أن تخوض معرفة إثبات نفسها بنفسها بغض النظر عن الغير، وإلى جانب ذلك، يمكن
القول بأن تواجد الذات والآخر جنبا إلى جنب يطرح مسألة العلاقة والتواصل بينهما،
فبحكم طبيعتهما يمكن أن نقول بأن لا أحد يكفي ذاته بذاته، فلا بد من ضرورة
الانفتاح على بعضهما البعض، بيد أن اشتراكهما في هذا الشعور لا يعني أن كل واحد
منهما يستطيع أن يؤلف فكرة كاملة وسليمة عن الآخر، حيث إن كل ما يستطيع أن يقدمه
الواحد للآخر لا يعدوا أن يكون سوى شيء سطحي، علاوة على ما تقدم، يمكن القول بأنه
إذا كانت أحد حتميات الوجود الإنساني هي الصراع، فإن الإنسانية باتت اليوم في حاجة
إلى تبديد خلافات البشر وتقليصها من أجل تحقيق مجتمع مبني على التسامح والحوار
واللاعنف .
من خلال هذه المفارقات
تتحدد الإشكالات الفلسفية لمفهوم الغير، والتي يمكن صياغتها في التساؤلات التالية :ـ كيف تدرك الذات الغير؟
وهل هي في حاجة ماسة إليه لإثبات وجودها، أم أنها في غنى عنه؟ وما طبيعة
الاعتراف القائم بين الذات والآخر، هل هو اعتراف متبادل أم أحادي ؟ـ هل معرفة
الغير ممكنة أم مستحيلة؟ وما هي قيمة وحدود المعرفة المكونة عن الغير، هل هي معرفة
حقيقية أم أنها مجرد افتراضات وتخمينات؟ وكيف تتمثل الذات الغير، هل كعقل وروح
وجوهر، أم كشيء وموضوع ؟ـ على أي أساس ينبغي أن تقوم العلاقة بين الأنا والآخر، هل
على أساس المحبة والتواصل، أم على أساس الإقصاء والتهميش؟