Type Here to Get Search Results !

الإنســـان كـائـــن ثقــافـــي

 

الإنســـان كـائـــن ثقــافـــي

المحور الثاني في مجزوءة الطبيعة والثقافة

مقدمة:  طرح الاشكاليات

  يتميز الإنسان عن باقي الكائنات بالعقل، و هو ما جعله كائنا ثقافيا بامتياز.

 وتتجلى ثقافته في العديد من المظاهـر و التجليات، و من أبرزها:

  اللغــة  والمؤسسات وأنمــاط العيش والتبادل.

هذه الفكرة تطرح علينا إشكاليات نلخصها في التساؤلات التالية:

·       ما الثقافة؟كيف نميزها عن الطبيعة؟ما الطبيعة الانسانية؟

·       ما هي الأسباب التي تدفعنا إلى تعريف الإنسان ككائن ثقافي؟

·       ما هي مظاهر الثقافة وتجلياتها عند الإنسان؟

·       بأي معنى يمكن اعتبار الإنسان كائنا لغويا ؟

·       وما الذي يميز اللغة الإنسانية عن اللغة الحيوانية ؟

·       و بأي معنى يمكن اعتبار المؤسسة مظهرا من مظاهر الثقافة لدى الإنسان؟

·       ما هي المؤسسة؟ و كيف ظهرت؟ما أنماط العيش والتبادل التي تميز الإنسان عن الحيوان؟

المحور الأول :بناء الارضية:

1-  تحد يد المفا هيم

-الطبيعة:

     يشير مفهوم الطبيعة عموما إلى كل ما لم تتدخل فيه الفاعلية الإنسانية، ويبقى على حاله الأول قد يكون خارجيا ( فيزيائيا ) أو داخليا ( بيولوجيا)، مما يدل على وجود عالمين هما العالم المادي، والعالم الإنساني.

-الثقافة:

     هناك تعدد في تعارف مفهوم الثقافــة، لكنها جميعها تتفق عامة في القــول بأن الثقافة تعلّم  وبأنها تسمح للإنسان بالتكيف مع  وسطه الطبيعي ... وأنها تتجسد في اللغة والمؤسسات  وفي طرق  التفكير و في أنماط العيش والتبادل.

 

ا- جاء  في معجم  اللغة ا لفرنسية  ما يلي  : " الثقافة  هي  مجموعـة  من المعارف، و أنماط العيش، والتقاليد الاجتماعية".

ب- و جاء في قاموس Robert ما يلي : " الثقافة هي تنمية بعض ملكات العقل بتمرينات ذهنية. وتدل أيضا على معارف مكتسبة، علمية أو فلسفية أو عامة. و هي كذلك مجموع المظاهر الفكرية لحضارة معينة، و للحياة في مجتمع. و تقابل الطبيعة".

ج- ويقول تايلور:"الثقافة  كل مركب يشتمل على المعرفة، والمعتقدات، والفنون، والأخلاق،والقانون، و العرف، و غير ذلك من القدرات و العادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في مجتمع".

     تشير الثقافة إذن إلى ما هومكتسب من معارف، و معتقدات اجتماعية، و أنماط عيش مختلفة.و تختلف الثقافة من مجتمع لآخر.

2-التمييز بين الطبيعة والثقافة:

أ‌-      عند بيلز

       يميز " بيلز"  R.L.Bealsفي الإنسان بين جانبين رئيسييـــن:

-                    أحدهما فطري طبيعي، و هو الذي يشترك فيه الإنسان مع الحيوان.

-                    و الآخر مكتسب و ثقافي، و هو الذي يميز الإنسان عن غيره من الكائنات.

و يرجع هـــــذا التمييز إلى انفراد الإنسان بميزة العقل، الذي مكنه من تطوير أنماط عيشه و سلوكاته، و ابتكار عدة تقنيات، و إنتاج معارف و علوم وفنون. و هذا التنوع هو مظهر من مظاهر الثقافة لدى الإنسان.

      هكذا يمكن القول أن كل ما هو مشترك بين الإنسان و الحيوان فهو طبيعي، و كل مل يتميز به الإنسان عن الحيوان فهو ثقافي.

ب-عند ستراوس

     أما كلود ليفي ستراوس فقد جعل معيار القاعدة و ما هو عام أساسين اعتمد عليهما للتمييز بين الطبيعة والثقافة:

- معيار  القاعدة يحيلنا على نظام الثقافة.

- معيارالكوني أو العام  يحيلنا على مجال الطبيعة.

    يمكن القول بأن القاعدة تتميز عند ستراوس بثلاث خصائص:

-الانفلات مما هو غريزي إذ تعتبر ذات صبغة أخلاقية.

-النسبية: ذلك أنها قد توجد في هذا المجتمع و تغيب في مجتمعات أخرى.

-الخصوصية: إنها ترتبط بالعادات و التقاليد، و القوانين و المؤسسات الخاصة بمجتمع معين.

    لقد اعتمد ستراوس مفهومي القاعدة و ما هو عام للتميز بين الطبيعة و الثقافة، لأن مفهوم القاعدة يشير إلى مجموع القوانين أو المبادئ السياسية و الأخلاقية التي يشرعها الإنسان، و التي تختلف من مجتمع لآخر، و بذلك فهي تمثل ما هو ثقافي. أما مفهوم ما هو عام فإنه يشير إلى مجموع الخصائص الفطرية الطبيعية المشتركة بين جميع الناس. 

المحور الثاني :إشكالية الطبيعة الانسانية في الفكر الفلسفي والعلوم الانسانية:

      إن مفهوم الانسان كائن ثقافي يحيلنا مباشرة إلى إشكالية الطبيعة الانسانية.لهدا سنتناول هده الاشكالية من خلال المقابلات التالية:

 1-مقابلة البيولوجي-الثقافي:

 ا-الطرح البيولوجي يعتبر الإنسان كائنا بيولوجيا بالدرجة الأولى، لأن جميع مكوناته وتشكيلاته المستقبلية محددة بالوراثة. فالصبغيات والجينات تحمل جميع ما سيؤول إليه الإنسان في المستقبل. إذا كان منديل Mendel Gregor يحدد انتقال الخصائص الوراثية من جيل إلى آخر، فإن كثيرا من البيولوجيين يؤكدون تعميم ذلك على السلوكات النفسية. وبناء على ذلك تقلص النظرة البيولوجية من دور المحيط، حيث يرى أغست فايزمان A. Weismann أن المحيط يؤثر على الخلايا الجسمية soma ولا يمكن أن يؤثر إلا باحتمال ضعيف جدا، على الخلايا الجنسية germen المسؤولة عن انتقال الخصائص الوراثية.

ب-أما النظرة السوسيوثقافية، فإنها تعتبر الإنسان منتوجا ثقافيا بالدرجة الأولى. فيرى دوركايم Durkheim أن الظواهر الإجتماعية بمثابة "أشياء"، فلا يمكن للإنسان أن يتجاهلها وإلا تعرض للقهر الذي يمكن أن تمارسه عليه. ومن ثمة فإن السلوكات السيكولوجية لايمكن أن تفسر بعوامل بيولوجية أو فطرية لأنها نتاج اجتماعي. هكذا يرى لوسيان مالصون L. Malson – من خلال أطروحته "الأطفال المتوحشون" – أن عزل الطفل البشري عن بني جنسه، سيجعل منه كائنا غريبا ؛ لأنه ليست هناك غريزة خاصة بالنوع البشري. فإنسانية الإنسان تتوقف على وجوده داخل محيط ثقافي.

2-مقابلة روسو-هوبس:

ا-يرى روسو أن دخول الإنسان إلى عالم الثقافة أفسد طبيعته. إن الطبيعة الإنسانية تتصف بالاكتمال، لذا فإن طبيعته الأصل توجد خلف مظاهر التطور ولا يمكن الوصول إليها بسهولة. فالحياة الاجتماعية بنيت على الأنانية والتسلط والمكر والخديعة، هكذا نستطيع القول إن "حالة الطبيعة" كانت "حالة خير" مقارنة مع ما آلت إليه الإنسانية. إن الإنسان موجود حر وبمحض إرادته اختار أن يوجه حياته تلك الوجهة، لكن بوسعه أن يخرج من حالة الصراع من خلال إقامة الحياة الاجتماعية على أساس تعاقد اجتماعي يحتكم إلى "سلطة الشعب"، حيث يختار الشعب من ينوبون عنه ويحكمون باسمه طبقا لقوانين ديموقراطية.

ب-أما هوبس T. Hobbes، فيرى رأيا مخالفا تماما لطرح روسو. حيث يعتقد هوبس، "أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان". فالإنسان أناني بطبعه، ومن ثمة فإن جميع سلوكاته تؤطرها دوافع عدوانية. فأخلاق الإنسان تخضع لتوجهات ثلاث : التنافس، الحذر، الكبرياء. وبما أنه يستحيل على الإنسان، أن يعيش باستمرار تحت رحمة "قانون الغاب" ؛ فإن الناس فضلوا أن يدخلوا عالم الحياة الاجتماعية (عالم الثقافة) بأن أعلنوا نوعا من السلم الاجتماعي فيما بينهم، وذلك بأن يتنازل كل واحد عن أنانيته، ليعيشوا تحت رحمة أنانية فرد واحد يحكمونه عليهم.

3-ازدواجية فرويد - ستراوس:

ا-أكد فرويد S. Freud، أن الطبيعة الإنسانية هي ضرب من التفاعل بين الطبيعي والثقافي، بين الفطري والمكتسب.

 إن الفطري هو ذلك الجانب البيولوجي/الغريزي الذي يولد مع الإنسان. أما المكتسب فيتمثل في جميع أشكال السلوكات الثقافية التي خلقها الإنسان من خلال تفاعله مع أمثاله.

فالإنسان يأتي إلى الوجود وهو عبارة عن الهو، ثم ما يلبث أن يتشكل لديه الأنا والأنا الأعلى بفعل الاحتكاك بالمجتمع. ثم تدخل هذه المكونات في صراع بينها فيتضخم عند الإنسان ما يعرف باسم اللاشعور. فالطبيعة الإنسانية – حسب التحليل النفسي – هي شخصيته الفردية التي تميزه عن الآخرين، في تفاعله مع مكوناته الداخلية ومع المحيط الخارجي.

ب- أخيرا يأتي ليفي ستروس Lévi-Strauss ليستنتج أن الإنسان كائن بيوثقافي، و أنه يصعب أن نميز  بسهولة الجانب الفطري من الجانب المكتسب ؛ إلا أن المنهج العلمي يحتم وضع قانون بموجبه نستطيع ذلك. هكذا يرى ليفي ستروس-كما أشرنا سابقا - أن كل ما هو عام ومشترك فهو طبيعي، وكل ما يقوم على قاعدة، ويتميز بالخصوصية، ويشكل استثناء، فإنه ينسب إلى الثقافة. علما بأن التحليل العلمي لظاهرة القرابة (أو المصاهرة) يؤكد أن الثقافي – في الإنسان – هو الذي يوجه البيولوجي ويؤطره.

المحور الثالث : مظاهر الثقافة لدى الانسان:

1-الإنسان كائن لغوي

    أ- تعريف اللغة ׃

* الدلالة العامة :

 في هذه الدلالة ترتبط اللغة بالكلام إذ يقول عامة الناس فلان يتكلم اللغة العربية أوالفرنسية...                                                                                                                          الدلالة اللغوية :

-إن كلمة لغة مشتقة في اللغة العربية من اللغا أو اللغو ويعني الكلام الفارغ غير المفيد،يعرف ابن منظوراللغة بأنها "أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم"كما أن كلمة langage الفرنسية مشتقة من الكلمة اللاتينية lingua التي تفيد الكلام واللسان.

يحصر هذا التعريف اللغة في الأصوات، وهذا يعني أن الأصوات كلام، الشيء الذي يجعل إبن منظور لايخرج عن الدلالة العامية التي تربط اللغة بالكلام.

الدلالة الفلسفية ׃  

يقول "لالاند" أن للغة معنيان : معنى خاص)  وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا) ومعنى عام ( هوكل نسق من العلامات يمكن أن يتخذ وسيلة للتواصل )

نستنتج من هذا التعريف أن اللغة بالمعنى الخاص تتقابل مع الكلام واللسان، باعتبار الكلام نوعا من اللغة وليس كلها واللسان خاص بمجتمع معين، أما اللغة فهي مشتركة بين البشر.

     من خلال هذه الاستنتاج يمكن طرح الأسئلة التالية ׃  إذا كانت اللغة علامات صوتية والحيوانات لها أصوات، فهل معنى ذلك أنها تشترك مع الانسان في إمتلاك اللغة ؟ أم أن اللغة تبقى خاصية إنسانية ؟ بتعبير آخر هل يمكن اعتبارها مظهرا ثقافيا لدى الإنسان ؟

         ب- اللغة خاصية انسانية ومظهر ثقافي بامتياز:

      وجهة نظر ر.ديكارت :

        ننطلق من "ديكارت" الذي يمثل وجهة النظر العقلانية حول إشكالية اللغة الإنسانية والحيوانية، وقد إنطلق في نصه (الكلام خاصية انسانية)  من التساؤل التالي : هل يمكن إعتبار اللغة قاسما مشتركا بين الانسان و الحيوان ؟ بمعنى آخر هل الحيوان قادر على الكلام كما هو الشأن بالنسبة للإنسان. وإذا كان الجواب بالنفي فما الذي يفسر قدرة الإنسان على الكلام. هل يرجع ذلك إلى العقل أم إلى الغريزة؟

    لايخرج جواب "ديكارت" على هذه التساؤلات خارج إطارالفلسفة العقلانية التي تجعل من العقل أساس تصوره لإشكالية اللغة، وبناء عليه يؤكد ديكارت أن اللغة خاصية تقتصر على الإنسان ولا وجود للغة بهذا المعنى لدى الحيوان، ويفسر ديكارت ذلك، بإمتلاك الانسان للعقل مهما كانت درجة هذا العقل من البساطة، حتى ولو كان هذا الإنسان يفتقر لجهاز النطق فإنه قادر على التعبير والتواصل كما هو حال الصم والبكم. أما ما تردده بعض الحيوانات مثل الببغاء من كلام فيعتبره ديكارت مجرد إنفعالات غريزية و إستجابات آلية لا تعكس وعيه بما يقول. وبالتالي فإن اللغة خاصة بالإنسان دون الحيوان يقول "ديكارت":  {يمكن الخلط بين حيوان متكلم و آلة متكلمة ولكن لا يمكن الخلط بين آلة متكلمة وانسان متكلم}

       وجهة النظر ليفي ستراوس :

       ليفي ستراوس لا يقدم الإنسان باعتباره صانعا، فالصناعة ليست علامة مميزة للثقافة، بل ما يجعل الإنسان إنسانا وينتمي إلى عالم الثقافة هو قدرته على التواصل اللغوي اللساني مع أفراد مجموعته البشرية، وبهذا فاللغة هي الاداة الأساسية والوسيلة التي تميز الإنسان عن باقي الموجودات باعتباره كائنا ثقافيا. اذن اللغة- حسب ستراوس - هي المظهر الثقافي الأكثر اكتمالا من مظاهرالثقافة.

       الموقف اللساني:

    بنفنست

     يعتبر اللغة بمثابة نظام رمزي ذي وجهين׃ وجه مادي يتجلى في الدلائل المنطوقة او المكتوبة٬ ووجه لامادي يتمثل في المدلولات∙ و اللغة بهذا المعنى تلعب دور الوسيط٬٬ ليس فقط بين إنسان واخر٬ بل ايضا بين الانسان والعالم ∙وقد عملت الدراسات والأبحاث العلمية على إثبات أن اللغة موقوفة على الإنسان وحده دون غيره، وهذا يبرز من خلال الدراسات التي أجراها "كارل فون فريش" على خلية النحل سنة 1948 إذ حاول بنفنست من خلالها المقارنة بين الإنسان والحيوان والخروج بمجموعة من الخواص وهي تميز اللغة الإنسانية من حيث الطبيعة والمقاصد عن التواصل الحيواني، حدد فيها ثلاث خصائص للغة الإنسانية  و هي   :

- الإرتكاز على الصوت 

- تحرر العلامة أو الرمز من الموضوع الخارجي 

- قابلية الكلام البشري للتفكيك إلى وحداث لغوية وصوتية دالة وأخرى غير دالة قابلة للتأليف وإعادة التأليف إلى مالانهاية(التمفصل المزدوج).

 إذن هناك فوارق واضحة بين اللغة الإنسانية والتواصل الحيواني الذي لا يرقى إلى مستوى اللغة عند الإنسان.

  ويمكن تلخيص النتائج التي وصل اليها بنفنست في الجدول التالي ׃

اللغة عند الحيوان    

- تستند على الغريزة

- الرسالة عند النحل مثلا تقوم على الرقص دون تدخل الجهاز الصوتي إذ أن التواصل يكون حركي.

- التواصل يتم بالضرورة في ظروف تسمح بالإدراك البصري ( وجود ضوء النهار).

- الرسالة لدى النحل لا تستدعي من المحيط أي استجابة  وليس فيها حوار .

- التواصل لدى النحل ينحصر باتخاذ معطى موضوع معين مرجع الحيوان في لغته هو الطبيعة.

- النحل لا يمكنه إعادة إنتاج رسالة ما.

- النحلة لا تؤلف رسالة انطلاقا من رسالة أخرى 

 اللغة عند الإنسان   

- تستند على العقل و الفكر .

- الحوار شرط أساسي .

- الإنسان ينتظر استجابة من الذي يوجه له الرسالة

- مرجع الإنسان في اللغة ما تعلمه من المجتمع ( قواعد اللغة ) .

- في اللغة الإنسانية تتم المزاوجة بين الرجوع إلى التجربة الموضوعية و الاستجابة للتعبير اللساني .

- خاصية اللغة عند الإنسان هي أن تزوده ببديل عن التجربة.

استنتاج ׃  كل لغة تواصل و ليس كل تواصل لغة

   أندري مارتينيه:

   يتجه أندري مارتينيه هو الآخر لتأكيد تفرد الإنسان بخاصية اللغة القابلة للتمفصل، غير أن هذا التمفصل الذي تتميز به جميع الألسن بدون استثناء يمكن تحديده من خلال ضربين:

-التمفصل الأول ومؤداه أنه بالمقدور تحليل اللغة وردها إلى وحدات دلالية صغرى لا تقبل أن تقطع وتجزأ إلى وحدات أصغر منها حاملة للدلالة والمعنى وهي تسمى بالمونيمات.

-التمفصل الثاني مفاده أن اللغة الإنسانية قابلة لأن تحل إلى وحدات صوتية صغرى ليست حاملة للدلالة والمعنى ولا تقبل بدورها أن تحل إلى وحدات صوتية أصغر منها خالية من الدلالة والمعنى وتكنى بالفونيمات.

وبالاعتماد على هذه الوحدات الصوتية يمكن إنشاء عدد لا متناه من التراكيب والخطابات عن طريق تجديد التركيب والتأليف وهو ما يحدد قيمة التمفصلين في ما لهما من اقتصاد لغوي للتعبير عن وقائع تجريبية غيرمتناهية.

رومان جا كوبسون                                                                    

   تعتبر اللغة في النظرية التواصلية لجاكوسيون أداة تبليغ للمعرفة والأفكار والمشاعر والمعلومات في إطار من الوضوح والشفافية بشرط توفر العناصر التالية : 1- السياق 2 – المرسل  3 – الرسالة   4 – المرسل إليه ̣

  دي سوسير

  يعرف اللغة بانها ملكة رمزية تتحقق من خلال اللسان الذي يعتبر نسقا رمزيا ذا طبيعة اجتماعية

وتصور اللسانيات المعاصرة ممثلة في رائدها دي سوسير علاقة اللغة بالفكر بوجهي الورقة النقدية... أو يشبه علاقة اللغة بالفكر بعلاقة الرياح بسطح الماء.   

         نستخلص مما سبق:

- أن اللغة لدى الإنسان ليست مجرد أصوات أو إشارات كما هو الحال عندالحيوانات و التي لها طابع غريزي . فقد روى ديدرو Diderot كيف أن أحد الرهبان انبهر بذكاء شامبانزي فصاح فيه قائلا : "تكلم ولن أتردد في أن أعبدك".

- أنها مؤسسة اجتماعية بمعنى ان الوحدات الصوتية التي تركب الألفاظ كرمزفي حد ذاتها ليس لها أي معنى الا ما يحدده لها المجتمع عن طريق الاتفاق وبهذا المعنى يمكن القول انه لا يوجد أي مجال للمقارنة بين تواصل الحيوان و لغة الإنسان .

-أن الوظيفة اللغوية وظيفة عقلية لا مجرد وظيفة عضوية. صحيح أننا ننطق بحبالنا الصوتية ،ولكن وظيفة النطق ترتكز على بعض البنيات المخية فضلا على أنها تستد  الى الرئتين . الفم. الشفتان... وهذا ما قد تتوفر عليه القردة العليا ولكن مع ذلك لا تستطيع استخدامها لإنتاج اللغة بل تقتصر على إصدار بعض الأصوات، فقد روى ديدرو Diderot كيف أن أحد الرهبان انبهر بذكاء شامبانزي فصاح فيه قائلا : "تكلم ولن أتردد في أن أعبدك".

 فوظيفة اللغة وظيفة نفسية و عقلية .   

      إن استخدام  اللغة  اذن  مقتصر على الإنسان لأنه  يعي  هذا  الاستعمال  وهي  بذلك  حد  بين الطبيعة و الثقافة ويمكن اعتبارها الواقعة الثقافية للانسان بامتياز . 

 

2-المؤسسة كمظهر من مظاهر الثقافة:

 

 من خلال نص مالينو فسكي «  malinovski » 

   يستعمل مالينو فسكي في نصه هذا مجموعة من المفاهيم التي نعرفها كما يلي:

ـ المؤسسة: هي نظام اجتماعي يخضع لميثاق و قوانين منظمة،  الهدف منها هو تلبية حاجيات إنسانية انطلاقا من وسائل و أجهزة مادية.

- الحاجة : هي الضرورة البيولوجية التي تتوقف عليها حياة الإنسان و الحيوان.

- الميثاق: هو مجموعة من القوانين و القواعد التي تتحكم في سلوك الأفراد داخل مؤسسة من المؤسسات.

 -الأسرة: هي مؤسسة اجتماعية تتم من خلال ميثاق يجمع بين أب و أم، و تهدف إلى تربية الأطفال وتعليمهم مجموعة من المبادئ و العادات و التقاليد التربوية.

 

نستنتج من النص مايلي:

1- يعتبر مالينو فسكي الإنسان كائنا ثقافيا. و المؤسسات هي مظهر من مظاهر الثقافة لديه، و التي من خلالها يحقق حاجياته بشكل منظم و هادف.

2- تقوم كل مؤسسة يبتكرها الإنسان على تلبية حاجات إنسانية إما بيولوجية أو ثقافية. و يتم عملها من خلال ميثاق أو مذهب ترتكز عليه المؤسسة، و تصوغ من خلاله قوانينا تنظم العمل داخلها.

3- يربط مالينو فسكي بين المؤسسة و الحاجات؛ لأن المؤسسة تلبي بشكل غير مباشر رغبات الأفراد و تتحكم فيها، و ذلك من خلال إخضاعها إلى ميثاق و قوانين منظمة تسمح بتلبية الحاجات البيولوجية  بشكل  ثقافي و مؤسساتي .

4- كل مؤسسة تخضع لميثاق و قوانين. و لكنها أيضا تتوفر على جهاز مادي تشتغل من خلاله وتمارس  وظائفها. و المقصود بالجهاز المادي للمؤسسة هو البنية التحتية و الأجهزة المادية، والوسائل و الرأسمال المادي و غير ذلك. فبالنسبة للأسرة يتمثل الجهاز المادي مثلا في البيت والحقل و الأرض، و بالنسبة لمؤسسة الدولة نذكر الوحدة الترابية و القوةالعسكرية و الرأسمال المالي.

5- العلاقة التي تجمع بين الميثاق و الحاجة، هو أن الميثاق يضع المعايير والقوانين و المبادئ التي تنظم سلوك الأفراد و تؤطر حاجياتهم.

 6- لكل مؤسسة نظام تراتبي. هكذا فلفظ ( الشخصي) يدل على الطريقة التي يتموضع من خلالها كل فرد من أفراد الجماعة، كما يدل على الطريقة التي تتوزع بها السلطة و الأدوار و المهام بين الأفراد.

7- كل مؤسسة تخضع لميثاق ينظم العمل داخلها، كما يحدد قوانين الشغل والعلاقات بين العمال و رب العمل في المعمل مثلا. لكن هذا الميثاق لا يتكفل بحل المشكلات النفسية الناتجة عن العمل لأنها تخرج عن اختصاصه، كما أنها مشكلات يصعب ضبطها و التحكم فيها، فضلا عن أنها تختلف من فرد لآخر.

خلاصة النص:

   إن مالينوفسكي يرى أن الإنسان كائن ثقافي لكونه يعيش في إطار مؤسسات تلبي حاجاته ورغباته وتتحكم فيها، على نحو منظم وهادف ، لأن هذه المؤسسات تقوم على قوانين وقواعد هي التي تحكم العلاقات الإنسانية داخلها، وتهدف إلى تنظيم سلوكات الأفراد والجماعة، وهي تأخذ طابعا إلزاميا وإكراهيا، فكل مؤسسة مهما كان حجمها يحكمها ميثاق على منواله تعمل وتشتغل، ومن ضمن هذه المؤسسات نذكر مثلا على سبيل المثال : الأسرة، المدرسة، النادي، الجامعة، البنك، البرلمان.

 

3-أنماط العيش والتبادل:

 

    يمكن تعريف التبادل ، بشكل عام ، بانه علاقة تقوم بين فردين  او جماعتين ، يقدم كل واحد منهما إلى الآخر شيئا يعادل ما تسلمه او يتعداه :هدا الشيء قد يكون ماديا مثل الأموال والسلع أو رمزيا مثل الكلام والافكار .

 

     يتحدد التبادل إدن بكونه فاعلية بشرية تفتح الانسان على غيره من الناس ليتبادل معهم الموارد والخدمات والادوار ، في حين ان الحيوان لا يعرف التبادل ،فنحن-كما يقول آدم سميثA.Smith  "لم نر قط  كلبين  يتفاوضان في أمر اقتسام قطعة عظم .ولم نر أبدا حيوانا يحاول إفهام حيوان مثله ...فيقول له : هدا لي وهدا لك ،سأعطيك مالي مقابل أن تعطيني ما لك...ّ"

 

    وقد حدد ك.ل.ستراوس  ثلاثة مستويلت في كل تبادل (تواصل) داخل المجتمع:

-في نظام القرابة:تبادل النساء.

-في النظام الاقتصادي:تبادل الأموال والخدمات.

- في النظام اللغوي :تبادل الرموز والعلامات والافكار.

 

خلاصة تركيبية:

 

إن الإنسان كائن ثقافي منتج للثقافة و نتاج لها في نفس الوقت. و تتجلى ثقافته في عدة مظاهر من أهمها اللغة و المؤسسات وأنماط العيش والتبادل.

 هكذا يعتبر الإنسان كائنا لغويا يبتكر منظومة لغوية رمزية تتميز بالتمفصـل، و بارتباطهـا بالوعـي و العقل لـدى الإنسـان، و هو ما يجعـلها لغـة إبداعية و متطورة عكس التواصل الحيواني الدي يظل مجرد وظائف بيولوجية و غريزية.

كما تتجلى ثقافة الإنسان في ابتكاره  للمؤسسات  التي  ينظم من خلالها حاجاته عبر ميثاق و قوانين.

أما أنماط العيش فتتمثل في مجموعة من المبادئ والاسس المنظمة للسلوك اليومي للإنسان على مستوى مأكله ومشربه وعلاقاته الاجتماعية ...ويتمثل التبادل في مجموع العلاقات التي يقيمها الإنسان مع الغيركالعلاقات اللسانية ( اللغة) والعلاقات الاجتماعية(الزواج) وتبادل الأموال والخدمات (الاقتصاد).

 

 

 

 

إعداد:عبدالعزيزمجاهد – محمد حور

تحت إشراف الأستاذ:إدريس كثير

المدرسة العليا للأساتذة بفاس

 

 

 


***********************


***********************

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

Top Post Ad

Below Post Ad