Type Here to Get Search Results !

دروس مادة الفلسفة PDF الحقيقة

 

يسعد مدونة بيت الحكمة أن تقدم لتلامذتها وزوارها الأعزاء دروس مادة الفلسفة

 لكل الشعب والمسالك

مجزوءة المعرفة


تمثل الحقيقة الرهان الأساسي لكل معرفة بشرية والغاية القصوى لكل ممارسة عملية .فمن الفلسفة اليونانية والإسلامية وحتى الحديثة هناك دوما نفس الرهان ونفس الهاجس، رهان اكتشاف الحقيقة وهاجس قولها وتبليغها. لكن بالنظر لكل من خاضوا هذا الغمار نجد أن ما كان يعتبره بعضهم حقيقة هو ليس بالنسبة للآخرين سوى وهم وخطأ، إلى حد يمكن القول أن لكل عالم ولكل فيلسوف حقيقته الخاصة به ،كما لكل إنسان رأيه الخاص به ،الأمر الذي دفع بأحدهم ذات يوم فخرج يحمل مصباحا في واضحة النهار قاصدا السوق حيث عامة الناس منشغلون بحياتهم اليومية، وهو يردد "أنا أبحث عن الحقيقة" فهل نحتاج للبحث عن الحقيقة إلى مصباح في واضحة النهار حيث كل شيء واضح وجلي ؟ هذا السؤال يفتح الباب أمام جملة من الإشكالات الفلسفية العميقة من قبيل : ما الحقيقة ؟أو بتعبير أدق ما حقيقة الحقيقة ؟ما معاييرها ؟ما طبيعة العلاقة القائمة بينها وبين الرأي والمعرفة العامية ؟هل نبحث عن الحقيقة لذاتها أم للمنافع التي نجنيها من ورائها ؟

المحور الأول :الرأي والحقيقة

كي ينجز الإنسان أفعاله ويدبر حياته نادرا ما يلجأ إلى العلم وإلى ما يقدمه من حقائق، بل غالبا ما يكتفي بالرأي، أي بما يمتلكه من أفكار خاصة وما يكتسبه من معارف شائعة ومتداولة .فهل يعني هذا أن جل أفعال الإنسان ،وجل أشكال تدبيره لمتطلبات حياته يتم بطريقة خاطئة، أم أن في تلك الآراء الخاصة وتلك المعارف المتداولة، هناك حقائق ليست الحقائق العلمية إلا امتداد لها؟ بتعبير آخر: ما علاقة الحقيقة بالرأي ، هل هي علاقة اتصال واستمرارية أم علاقة انفصال وقطيعة؟ هل الرأي والحقيقة نوعان مختلفان ومتعارضان من المعرفة أم أنهما درجتان متفاوتتان من نفس النوع ؟ هل يمكن للرأي أن يتطور ويصل إلى مستوى الحقيقة أم أنه يختلف اختلافا جذريا عنها ؟

بالعودة لتاريخ الفلسفة ،نجد أن الفلاسفة قد اقسموا بخصوص اشكالية العلاقة بين الرأي والحقيقة على مر الزمان إلى موقفين متعارضين :موقف يؤكد أن علاقة الرأي بالحقيقة هي علاقة انفصال وقطيعة ،وموقف يؤكد أن العلاقة بين الاثنين هي اتصال واستمرارية وتكامل، وهو تعارض يمكن رصده بكل سهولة على مر تاريخ الفلسفة .

ففي الفلسفة اليونانية نجد أفلاطون يعتبر أن مجال اشتغال الرأي هو هذا العالم المادي المحسوس الذي نعيش وندبر فيه مختلف أمورنا وحياتنا ،وأداته الأساسية هي الحواس من بصر وسمع ولمس وذوق وشم .وسواء بالنظر إلي مجال اشتغاله أو بالنظر إلى أداته فإن النتيجة واحدة، وهي أن ما ينتجه الرأي من معارف هي كلها خاطئة ومتناقضة للحقيقة .فهذا العالم المادي الذي نعيش فيه ليس هو العالم الحقيقي في رأي أفلاطون بل هو مجرد ظل ونسخة مشوهة للعالم الحقيقي، إنه شبيه بالعالم الذي صوره في أسطورة الكهف ،والعالم الحقيقي ي رأيه يجب أن يتميز بالضرورة بالثبات والخلود وهو مالا يتوفر في هذا العالم المادي، لأنه متغير وفان، من هنا سيقول أفلاطون بوجود عالم آخر يسميه " بعالم المثل "الم لا يتألف من أشياء وأجسام وإنما من أفكار وصور لا تمثل الأولى بالنسبة للثانية سوى ظلال ونسخ باهتة ومشوهة، وتبعا لها فإن المعرفة التي تدور حولها هي معرفة بالظلال وليست معرفة بالحقائق، ليخلص في النهاية إلى أن الرأي ينتمي لعالم غير العالم الذي تنتمي له الحقيقة ولا إمكانية للاتصال والتكامل بين العالمين ومنه لا إمكانية للاتصال والاستمرارية بين الرأي والحقيقة بل هما شيئين مختلفين  ومتناقضين في نفس هذا توجه سيسير المعلم الثاني أبو نصر الفرابي ممثل الفلسفة الإسلامية، إذ سيعتبر أن " العوام والجمهور أسبق في الزمان من الخواص " وعليه فما يعتمد عليه العوام من الناس هو مجرد آراء ومعارف بسيطة متداولة، فهم يؤسسون معارفهم على ما هو شائع وعام ومتداول بلغة شعرية وخطابية بعيدة عن الاستدلالات المنطقية والبراهين العقلية، في حين نجد الخاصة لا تدين بمثل هاته الآراء ما لم تكن معقولة ومقبولة منطقيا في شكل معارف وحقائق غير قابلة للشك. إذن نصل مع الفرابي إلى أن الرأي منشؤه العوام والحقيقة محصورة عند الخواص ولا يمكن الجمع بينهما .

أما في الفلسفة الحديثة، نجد ديكارت يرفض شهادة الحواس الخداعة ،يرفض الحقائق التي كان يعتقد فيها سائر الناس لكونها  قائمة على" بحوث مضطربة لا جدوى منها تعتمد على الصدف أكثر من اعتمادها على منهج " وفي مقابل ذلك تشبث بالتفكير وبكل المعارف التي تتأسس على العقل، فالحقيقة تختلف اختلافا جذريا عن الرأي لأن هذا الأخير غالبا ما يكون ناتج عن شهادة الحواس ( التي كثيرا ما خدعتنا وبالتالي وجد عدم الاطمئنان لها ) كما أن الآراء المتداولة لا تكون مبنية لى التفكير والعقل بقدر ما تكون نابعة من العاطفة والأحاسيس، وعليه سيقيم ديكارت سدا منيعا بين الرأي والحقيقة فهما متعارضان ومختلفان . 

لتنزيل الملخص كاملا بصيغة PDF أنقر أسفله


***********************


***********************

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.

Top Post Ad

Below Post Ad